الآثار النفسية والإجتماعية لضرب الأطفال في المدارس
صرح وزير التربية والتعليم خلال زيارته لمدارس محافظة الغربية (الأحد 14 أكتوبر2012) ، بأنه معنى بعودة كرامة المعلم كما كانت، وأنه ليس من حق ولى الأمر مهما كان معاقبة أو محاسبة المعلم، وأن
ه مع الترهيب والترغيب فى المدارس، وأنه لا يمانع فى ضرب التلاميذ شريطة ألا يكون الضرب مبرحا، وبدون عصا ( نقلا عن بوابة الأهرام 16/10/2012 ) , ونقلت بعض وسائل الإعلام الأخرى أن الوزير ذكر أن ضرب الطلاب ليس مشكلة , وأيا كانت الرواية الصحيحة فإن هذا الأمر يبدو خطيرا من وزير تعليم بعد ثورة قادها شباب رفضوا الخضوع للظلم وأسقطوا عرش الطاغيىة لأنهم يحلمون بالعيش والحرية والكرامة الإنسانية .
وهذا التصريح (إن صح نسبته للسيد الوزير إبراهيم غنيم) يعيدنا إلى تصريح مشابه لوزير التعليم الأسبق أحمد زكي بدر حيث ذكر في كلمته أمام لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس الشورى أن هيبة المعلم قد غابت وأصبح "ملطشة" – على حد قوله – وقد أرجع الوزير هذا إلى منع الضرب في المدارس واستشهد بتجربته الشخصية حيث ذكر أنه كان يضرب على يديه بالعصا كعقوبة على أخطائه عشر مرات , ثم يعود إليه المدرس في اليوم التالي ليكمل العقوبة . وبعد تصريح الوزير الأسبق حدثت عدة وقائع مؤسفة نذكر منها واقعة ضرب الطفل سيف الدين أحمد (الصف الثالث الإبتدائي) حيث ضربه مدرس الرياضيات بالعصا وكسر ذراعه وكان الطفل مريضا بالسرطان , وذكر مدير المدرسة وقتها أن وزير التعليم يسمح للمعلمين باستخدام العقاب البدني لتقويم الطلاب وإعادة الإنضباط داخل الفصول .
ومن المعروف أن ضرب الأطفال في المدارس وفي غيرها ممنوع بحكم القانون في كل البلاد المتحضرة كجزء من حقوق الإنسان وحقوق الطفل بوجه خاص , ولم يقل أحد أن التعليم لديهم قد انهار , أو أن هيبة المعلم قد سقطت . وكان أجدر بالسيد الوزير أن يبحث عن الأسباب الحقيقية لسقوط هيبة المعلم بل لسقوط العملية التربوية والتعليمية برمتها .
والخطورة في تصريحات الوزير الأسبق (أحمد زكي بدر ) والوزير الحالي (إبراهيم غنيم) أنها تعطي ضوءا أخضر للمدرسين بأن يفرغوا طاقة غضبهم في أطفال المدارس والتي يمكن أن تؤدي إلى الموت كما حدث لتلميذ ابتدائي في الإسكندرية حيث ضربه المدرس بقدمه في بطنه فمات .
والمدرس يشعر أن المجتمع لايقدره ولايعطيه حقه في المرتب أو العلاج أو الكرامة الإنسانية , فإذا أضفنا إلى كل ذلك ضعف الإعداد والتوجيه والرقابة فإننا أمام احتمالات انفجار طاقات غضب هائلة من المدرس وإزاحتها تجاه الحلقة الأضعف وهي التلميذ , وبهذا نفتح بابا خطيرا لزيادة العنف ضد الأطفال وما يتبع ذلك من زيادة العنف لدى الأطفال كرد فعل عكسي بعد ذلك .
والضرب كما هو معروف لدى علماء النفس والتربية هو أضعف وسائل التغيير والتهذيب , وإذا ترتب عليه نتيجة سريعة فهي مؤقتة بالضرورة , أما الأضرار فهي كثيرة ومنها أننا ننشئ جيلا جبانا يعيش بالخوف والزجر والترهيب , ولا يجرؤ على إعلان رأيه , وهو في أزمة مع رموز السلطة القاهرة له فيعاديها في داخله ويداهنها وينافقها في ظاهره وينتظر اللحظة المناسبة للتمرد عليها والإنتقام منها بأشكال مباشرة أو غير مباشرة .
والضرب في المدارس يحدث ارتباطا شرطيا سالبا بين العلم والإيذاء البدني فيكره الطالب العلم وما يتصل به ويفقد قدرته على الإبداع لأن الإبداع لا ينشط إلا في جو من الحرية والإحساس الإيجابي بالذات وبالموضوع العلمي وبالبيئة المحيطة .
ولا يجب أن ننسى أن الجيل السابق الذي عاش تجربة الضرب في المدارس خضع للنظم الإستبدادية سنوات طويلة واستكمل معها مشوار طويل من الضرب في أقسام الشرطة وفي السجون والمعتقلات وتعود أن يعيش ذليلا بلا حقوق وأن يكتسب صفات الفهلوة والإنتهازية واللف والدوران لكي يتعايش مع السلطة التي أدمنت ضربه منذ صغره , وأدمن هو الذل والخضوع , أو على الأقل لم يعد يستنكره .
إذن فهذا النهج العدواني التسلطي في العملية التعليمية لا يعد فقط انتهاكا لقانون الطفل المصري 126 لسنة 2008 في المادة 96 فقرة 2 التي تمنع تعريض الأطفال للعنف والإساءة داخل المؤسسة التعليمية، والتي تعاقب المسئول عنها بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، إنما يعد أيضاً انتهاكا للكرامة الإنسانية لأطفالنا التي قامت من أجلها ثورة 25 يناير حين نعرضهم للعقاب البدني ونؤسس فيهم أن العنف والعقاب البدني هو الوسيلة السليمة للتربية ، وحق صاحب السلطة أياً كان موقعة في استعمال الضرب والإساءة دون ترك أثر حين يقعون في الخطأ وليس الحوار والتوجيه التربوي السليم .
وادعاء أن العملية التعليمية والسيطرة على الطلاب لا تتم بدون ضرب يعكس ضعفا في المهارات التعليمية وعجزا لدى الإدارة , فمن المعروف أن التربية الإيجابية تتم من خلال ثلاث عناصر وهي بالترتيب : القدوة , ثم الثواب , ثم العقاب . إذن فالعقاب يأتي في مؤخرة الوسائل التربوية , والعقاب هنا لا يعني الضرب بالضرورة , وإنما هناك عقوبات تؤثر في الطفل دون أن تؤذيه نفسيا أو بدنيا أو تجرح كرامته مثل حرمانه من بعض الأنشطة التي يحبها , أو استدعاء ولي أمره لمحاسبته , أو حرمانه من بعض درجات المواد .
وقد تكون هناك مشكلة في بعض المدارس الثانوية حيث يمارس بعض الطلاب عنفا تجاه المدرسين وقد يتحالف ولي الأمر مع ابنه المعتدي على المدرس وهنا يأتي دور الإدارة في حماية كرامة المدرس , وقد عرضت فكرة تكوين مجالس تأديب في المدارس للنظر في أمر الطلاب مثيري الشغب والذين لا تفلح معهم الوسائل التربوية المعتادة , ولهذه المجالس توقيع العقوبات المعنوية التي تردع الطالب والتي قد تصل إلى حرمانه من دخول الإمتحان في بعض المواد أو حتى استبعاده من المدرسة إذا كان وجوده سيؤثر بالسلب التام على العملية التعليمية .
والبعض ربما يستشهد خطأ بحديث منسوب للرسول صلى الله عليه وسلم " علموا أولادكم الصلاة وهم أبناء سبع , واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ...... " , وهذا الحديث في سنده ضعف , وهو مخالف للسنة العملية حيث لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ضرب طفلا أو امرأة أو خادما , والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم موجها ومعلما رسوله : "فبما رحمة من الله لنت لهم ولوكنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك , فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر .." , وهكذا تكون التربية الصحيحة يا سيادة الوزير .
دكتور / محمد المهدي
صورة: الآثار النفسية والإجتماعية لضرب الأطفال في المدارس صرح وزير التربية والتعليم خلال زيارته لمدارس محافظة الغربية (الأحد 14 أكتوبر2012) ، بأنه معنى بعودة كرامة المعلم كما كانت، وأنه ليس من حق ولى الأمر مهما كان معاقبة أو محاسبة المعلم، وأنه مع الترهيب والترغيب فى المدارس، وأنه لا يمانع فى ضرب التلاميذ شريطة ألا يكون الضرب مبرحا، وبدون عصا ( نقلا عن بوابة الأهرام 16/10/2012 ) , ونقلت بعض وسائل الإعلام الأخرى أن الوزير ذكر أن ضرب الطلاب ليس مشكلة , وأيا كانت الرواية الصحيحة فإن هذا الأمر يبدو خطيرا من وزير تعليم بعد ثورة قادها شباب رفضوا الخضوع للظلم وأسقطوا عرش الطاغيىة لأنهم يحلمون بالعيش والحرية والكرامة الإنسانية . وهذا التصريح (إن صح نسبته للسيد الوزير إبراهيم غنيم) يعيدنا إلى تصريح مشابه لوزير التعليم الأسبق أحمد زكي بدر حيث ذكر في كلمته أمام لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس الشورى أن هيبة المعلم قد غابت وأصبح "ملطشة" – على حد قوله – وقد أرجع الوزير هذا إلى منع الضرب في المدارس واستشهد بتجربته الشخصية حيث ذكر أنه كان يضرب على يديه بالعصا كعقوبة على أخطائه عشر مرات , ثم يعود إليه المدرس في اليوم التالي ليكمل العقوبة . وبعد تصريح الوزير الأسبق حدثت عدة وقائع مؤسفة نذكر منها واقعة ضرب الطفل سيف الدين أحمد (الصف الثالث الإبتدائي) حيث ضربه مدرس الرياضيات بالعصا وكسر ذراعه وكان الطفل مريضا بالسرطان , وذكر مدير المدرسة وقتها أن وزير التعليم يسمح للمعلمين باستخدام العقاب البدني لتقويم الطلاب وإعادة الإنضباط داخل الفصول . ومن المعروف أن ضرب الأطفال في المدارس وفي غيرها ممنوع بحكم القانون في كل البلاد المتحضرة كجزء من حقوق الإنسان وحقوق الطفل بوجه خاص , ولم يقل أحد أن التعليم لديهم قد انهار , أو أن هيبة المعلم قد سقطت . وكان أجدر بالسيد الوزير أن يبحث عن الأسباب الحقيقية لسقوط هيبة المعلم بل لسقوط العملية التربوية والتعليمية برمتها . والخطورة في تصريحات الوزير الأسبق (أحمد زكي بدر ) والوزير الحالي (إبراهيم غنيم) أنها تعطي ضوءا أخضر للمدرسين بأن يفرغوا طاقة غضبهم في أطفال المدارس والتي يمكن أن تؤدي إلى الموت كما حدث لتلميذ ابتدائي في الإسكندرية حيث ضربه المدرس بقدمه في بطنه فمات . والمدرس يشعر أن المجتمع لايقدره ولايعطيه حقه في المرتب أو العلاج أو الكرامة الإنسانية , فإذا أضفنا إلى كل ذلك ضعف الإعداد والتوجيه والرقابة فإننا أمام احتمالات انفجار طاقات غضب هائلة من المدرس وإزاحتها تجاه الحلقة الأضعف وهي التلميذ , وبهذا نفتح بابا خطيرا لزيادة العنف ضد الأطفال وما يتبع ذلك من زيادة العنف لدى الأطفال كرد فعل عكسي بعد ذلك . والضرب كما هو معروف لدى علماء النفس والتربية هو أضعف وسائل التغيير والتهذيب , وإذا ترتب عليه نتيجة سريعة فهي مؤقتة بالضرورة , أما الأضرار فهي كثيرة ومنها أننا ننشئ جيلا جبانا يعيش بالخوف والزجر والترهيب , ولا يجرؤ على إعلان رأيه , وهو في أزمة مع رموز السلطة القاهرة له فيعاديها في داخله ويداهنها وينافقها في ظاهره وينتظر اللحظة المناسبة للتمرد عليها والإنتقام منها بأشكال مباشرة أو غير مباشرة . والضرب في المدارس يحدث ارتباطا شرطيا سالبا بين العلم والإيذاء البدني فيكره الطالب العلم وما يتصل به ويفقد قدرته على الإبداع لأن الإبداع لا ينشط إلا في جو من الحرية والإحساس الإيجابي بالذات وبالموضوع العلمي وبالبيئة المحيطة . ولا يجب أن ننسى أن الجيل السابق الذي عاش تجربة الضرب في المدارس خضع للنظم الإستبدادية سنوات طويلة واستكمل معها مشوار طويل من الضرب في أقسام الشرطة وفي السجون والمعتقلات وتعود أن يعيش ذليلا بلا حقوق وأن يكتسب صفات الفهلوة والإنتهازية واللف والدوران لكي يتعايش مع السلطة التي أدمنت ضربه منذ صغره , وأدمن هو الذل والخضوع , أو على الأقل لم يعد يستنكره . إذن فهذا النهج العدواني التسلطي في العملية التعليمية لا يعد فقط انتهاكا لقانون الطفل المصري 126 لسنة 2008 في المادة 96 فقرة 2 التي تمنع تعريض الأطفال للعنف والإساءة داخل المؤسسة التعليمية، والتي تعاقب المسئول عنها بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، إنما يعد أيضاً انتهاكا للكرامة الإنسانية لأطفالنا التي قامت من أجلها ثورة 25 يناير حين نعرضهم للعقاب البدني ونؤسس فيهم أن العنف والعقاب البدني هو الوسيلة السليمة للتربية ، وحق صاحب السلطة أياً كان موقعة في استعمال الضرب والإساءة دون ترك أثر حين يقعون في الخطأ وليس الحوار والتوجيه التربوي السليم . وادعاء أن العملية التعليمية والسيطرة على الطلاب لا تتم بدون ضرب يعكس ضعفا في المهارات التعليمية وعجزا لدى الإدارة , فمن المعروف أن التربية الإيجابية تتم من خلال ثلاث عناصر وهي بالترتيب : القدوة , ثم الثواب , ثم العقاب . إذن فالعقاب يأتي في مؤخرة الوسائل التربوية , والعقاب هنا لا يعني الضرب بالضرورة , وإنما هناك عقوبات تؤثر في الطفل دون أن تؤذيه نفسيا أو بدنيا أو تجرح كرامته مثل حرمانه من بعض الأنشطة التي يحبها , أو استدعاء ولي أمره لمحاسبته , أو حرمانه من بعض درجات المواد . وقد تكون هناك مشكلة في بعض المدارس الثانوية حيث يمارس بعض الطلاب عنفا تجاه المدرسين وقد يتحالف ولي الأمر مع ابنه المعتدي على المدرس وهنا يأتي دور الإدارة في حماية كرامة المدرس , وقد عرضت فكرة تكوين مجالس تأديب في المدارس للنظر في أمر الطلاب مثيري الشغب والذين لا تفلح معهم الوسائل التربوية المعتادة , ولهذه المجالس توقيع العقوبات المعنوية التي تردع الطالب والتي قد تصل إلى حرمانه من دخول الإمتحان في بعض المواد أو حتى استبعاده من المدرسة إذا كان وجوده سيؤثر بالسلب التام على العملية التعليمية . والبعض ربما يستشهد خطأ بحديث منسوب للرسول صلى الله عليه وسلم " علموا أولادكم الصلاة وهم أبناء سبع , واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ...... " , وهذا الحديث في سنده ضعف , وهو مخالف للسنة العملية حيث لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ضرب طفلا أو امرأة أو خادما , والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم موجها ومعلما رسوله : "فبما رحمة من الله لنت لهم ولوكنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك , فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر .." , وهكذا تكون التربية الصحيحة يا سيادة الوزير . دكتور / محمد المهدي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]