وصف السيد جبريل عليه السلام
قال الله تبارك و تعالى في حق جبريل عليه السلام :﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾، علّمه معناه علّم محمداً شديد القوى أي جبريل ذو مرة ٍ قال تعالى: ﴿ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى﴾ في وصف جبريل أي ذو شدة في خلقه فاستوى ﴿ وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى﴾ الله تعالى وصف جبريل بأنه ذو قوة و ذلك لأنه قلب بالقوة التي أعطاه الله إياها قرى قوم لوط ٍ، أربع مدن أو خمس مدن قلبها أمره الله بإهلاكهم لأنهم كذبوا نبيه و فعلوا تلك الفعلة الخبيثة جمعوا بين الكفر و تلك الفعلة الخبيثة فأمر الله تعالى جبريل عليه السلام بأن يقلب عليهم أرضهم، قلع أرضهم و رفعها إلى السماء بجناحه، بجناحه رفع تلك المدن الأربعة أو الخمس إلى السماء ثم قلبها فماتوا و لم ترى جثثهم على وجه الأرض لأنهم نزلوا إلى أسفل. لهذا قال الله تعالى فيه ﴿ ذُو مِرَّةٍ ﴾ٍ أي خلقته شديدة هو جبريل عليه السلام بمفرده لو أمره الله تعالى أن يزيح جبال الدنيا هذه كلها لأزاحها. و هذه الريح التي ليس لها روح إذا سلطها الله تعالى على قوم من عباده تهلكهم. فهؤلاء، قوم عاد، كانوا قبل قوم لوط. سيدنا لوط هو إبن أخي إبراهيم عليهما السلام، قبل ذلك أيام هود لما كذبت الكفار هوداً الله تبارك و تعالى أنزل عليهم بأسه و نقمته و سلط عليهم الريح العقيم هذه الريح أخذتهم إلى الهواء ثم ردتهم، فصاروا كالنخل المنقعر أي النخل الذي قطع من أصله، فماتوا أهلكهم الله من هذه الريح. والريح ليس لها روح لكن الله تعالى جعل فيها قوة فكيف جبريل الذي له روح؟ و كذلك غيره من الملائكة.
ثم أخبرنا الله تبارك و تعالى عن جبريل بأنه استوى بالأفق أي أنه ظهر لسيدنا محمد صلى الله عليه و سلم بصورته الأصلية، صورة جبريل الأصلية صورة ملكية ذات ستمائة جناح ليست كجناح الطيور التي نعهدها جناحه يسد ما بين السماء و الأرض من عظم خلقته لما يكون على صورته الأصلية فظهر له بصورته الأصلية و كان الرسول صلى الله عليه و سلم طلب منه أن يراه في صورته الأصلية لأنه قبل ذلك ما كان يراه على تلك الصورة كان يأتيه جبريل يقرأ عليه القرءان أو يكلمه بالوحي الذي هو غير القرءان فيسمع عنه فيحفظ الرسول ما قرأ عليه، ثم طلب منه ذات يوم لما كان بمكة قبل الهجرة و قبل ليلة المعراج أن يراه بصورته الأصلية قال له جبريل: سل ربك أطلب من الله، فدعا الله رسول الله أن يريه جبريل في صورته الأصلية فظهر له بتلك الصورة التي لها ستمائة جناح فغشي على رسول الله لأن منظره شىء هائل ثم أفاق و كان هذا بمكة، ثم بعد ذلك أيضاً ليلة المعراج رآه بتلك الصورة لكنه في المرة الثانية لم يغشَ عليه بل ثبت على حالته الطبيعية ثم كان ذلك أي رؤيته لجبريل في السماء عند سدرة المنتهى هذه سدرة المنتهى شجرة و السدر موجود في الأرض لكن فرق كبير بين السدر الذي في الأرض عندنا و بين تلك السدرة من حيث عظم الخلقة و من حيث جمال المنظر، الرسول عليه الصلاة و السلام قال: فما أحد من خلق الله يستطيع أن يصفها، معناه شىء يبهر الأنظار من حسنها من الصفات التي خلقها الله تعالى عليها هي سدرة هنا في الدنيا موجود لكن هذه حبها كحبة البندق صغير حبها و يؤكل و نواها قاس مستدير صلب مستدير نواها أما تلك التي في الجنة ورقها الرسول صلى الله عليه و سلم قال عنه: كآذان الفيلة، أما هذه التي في الدنيا عندنا ورقها صغير بالنسبة لتلك، و أما حبها الذي يؤكل فقال عنه عليه الصلاة و السلام كالقلال و القلال هي الجرار أي كالجرار في عظمها، أهل الجنة لما يكونون في الجنة أجسامهم ليست كحالها اليوم يكون أحدهم ستين ذراعاً طولاً و سبعة عرضاً على هذه النسبة بمناسبة الجسد أكفهم تكون كبيرة و أقدامهم تكون كبيرة على ما يناسب طول الجسم، الله تبارك و تعالى إمتن على سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام بالمعراج أي العروج إلى سدرة المنتهى ثم إلى ما فوق ذلك إلى حيث شاء الله و ذلك ليريه عجائب الملكوت الأعلى حتى يزداد يقيناً بربه و إجلالاً و تعظيماً لأنه لما يرى تلك العجائب يزداد تعظيماً لله، هذا المقصود من المعراج.
و زاده تشريفاً بأن أسمعه كلامه الذي لا يشبه كلام الخلق الذي ليس حرفاً و لا صوتاً بعد أن تجاوز سدرة المنتهى و أراه ذاته لكن رؤيته ذات الله و سماعه كلامه لم يكونا في ءان واحد بل الرؤية في ءان أي وقت و سماع كلامه تعالى في وقت فذلك المكان الذي كان وصل إليه الرسول هو مكان الرسول في ذلك الوقت هو الرسول كان متحيزاً هناك أما الله تبارك و تعالى فهو موجود بلا مكان لا يجوز عليه أن يكون له حيز و لا يجوز عليه أن يكون له حد كما هو مذكور في كتاب أبي جعفر الطحاوي قال: تعالى عن الحدود و الغايات و الأركان و الأعضاء و الأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات، الله تبارك و تعالى لا يجوز عليه أن يكون له مساحة، كل شىء من الأجرام أي من الأجسام له مساحة الإنسان له مساحة، و النملة لها مساحة على حسب حالها و البقة كذلك لها مساحة إنما الله تبارك و تعالى هو الذي لا مساحة له لا تجوز عليه المساحة لا يدخل الله تعالى الحد و المقدار لأن الشىء الذي يدخله الحد و المقدار لا بد أن يكون محتاجاً لمن جعله على هذا الحد و المقدار فإن قال قائل هو جعل نفسه هكذا هو أوجد نفسه على مساحة بقدر العرش أو تزيد على العرش ضعفاً أو ضعفين أو ألفاً أو ألافاً عديدة يقال له كيف يخلق الشىء نفسه؟ على قولك الله تصرف في ذاته هو أوجد نفسه في جرم يكون على هذه المساحة هذا العقل لا يقبله، الشىء لا يخلق نفسه، فالله تبارك و تعالى يجب أن يكون منزهاً عن المساحة لأن الذي له مساحة يكون مخلوقاً لأنه محتاج إلى من جعله على تلك المساحة المساحة معناها الكمية كمية الإمتداد يقال له المساحة كما يقال مساحة هذه الأرض كذا كذلك كل الأجرام مهما صغرت لها كمية كل الأجرام كبارها و صغارها العرش له حد يعلمه الله و إن كان ليس في مستطاع البشر أن يمسَحوه من أوله إلى ءاخره.